كذلك فإن تجربتي ومشاهداتي ، ليست فقط المستمدة من أسرتي بل ومن خارجها أيضاً، تكاد تجعلني أقطع بأن الحس الخلقي للمرء يولد مع الطفل بدرجة معينة من القوة، مثلما يولد معه أنف بحجم معين وصوت ذو نغمة خاصة. إن من بين أفراد عائلتي من لا يتصور الكذب ومنهم من يكاد يستعذبه. منهم من لا يهمه كثيراً ما إذا كان غنياً أو لم يكن، ولكن منهم من كان، منذ نعومة أظفاره، على استعداد لبيع نصيبه من المانجو التي قد يجلبها أبي معه للغذاء، وإضافة حصيلة البيع إلى مدخراته. منهم من كان دائماً يلتهم الكتب التهاماً، ومنهم من كان مجموع ما قرأه، عدا الكتب المدرسية، بعض مقالات خفيفة في كتاب أبي "فيض الخاطر"، كان يقرؤها أحياناً قبل النوم ثم سرعان ما يغلبه النعاس.
وعندما أستعرض ما آل إليه أصدقائي في المدرسة الابتدائية أو الثانوية، ممن عرفت تطور حياتهم بعد تخرجهم، أجد ما يقطع بصحة هذا الاستنتاج. كان من بينهم النابغ والمحدود الذكاء، سريع الفهم والبطيء، العميق والسطحي، من يلتقط الفكرة الصعبة بسهولة وسرعة، ولكنه قليل الصبر على الربط بينها وبين فكرة أخرى، ومنهم المتأني البطيء الذي لا يفهم بسرعة، ولكنه يصرّ على البحث عن العلاقات غير الظاهرة حتى يجدها. كذلك كان من بينهم النبيل والسافل، الشهم والنذل، المستعد دائماً للتضحية ومن لا يفكر إلاّ في نفسه. لقد دخل معظمهم، بل وربما كلهم، الجامعة وتخرجوا بشكل أو بآخر فيها، وحصل معظمهم على وظائف محترمة، وحصل بعضهم على الدكتوراه، من بين الأذكياء والأغبياء، ولكن ظل كل منهم على حاله الذي بدأ به، عقلياً وخلقياً.
وعندما أستعرض ما آل إليه أصدقائي في المدرسة الابتدائية أو الثانوية، ممن عرفت تطور حياتهم بعد تخرجهم، أجد ما يقطع بصحة هذا الاستنتاج. كان من بينهم النابغ والمحدود الذكاء، سريع الفهم والبطيء، العميق والسطحي، من يلتقط الفكرة الصعبة بسهولة وسرعة، ولكنه قليل الصبر على الربط بينها وبين فكرة أخرى، ومنهم المتأني البطيء الذي لا يفهم بسرعة، ولكنه يصرّ على البحث عن العلاقات غير الظاهرة حتى يجدها. كذلك كان من بينهم النبيل والسافل، الشهم والنذل، المستعد دائماً للتضحية ومن لا يفكر إلاّ في نفسه. لقد دخل معظمهم، بل وربما كلهم، الجامعة وتخرجوا بشكل أو بآخر فيها، وحصل معظمهم على وظائف محترمة، وحصل بعضهم على الدكتوراه، من بين الأذكياء والأغبياء، ولكن ظل كل منهم على حاله الذي بدأ به، عقلياً وخلقياً.
***
منذ ثلاث أو أربع سنوات خطر لأحد زملائي القدامى، الذي كان تلميذاً معي في نفس الفصل المدرسي منذ ما يقرب من ستين عاماً، عندما كنا في نحو الثانية عشرة من عمرنا، أن يدعوا أكبر عدد ممكن من هؤلاء الزملاء القدامى إلى العشاء في مطعم يطلّ على النيل، وقبلت الدعوة مسروراً ومتشوقاً إلى أن أرى ما فعله الدهر بأصدقاء الصبا، وبعضهم لم أكن رأيته قط منذ كنّا في تلك السن الصغيرة، فرأيت عجبا. نعم، لقد شاب شعر أكثرهم، وتشققت البشرة بالتجاعيد ، وجاء أحدهم يستند إلى عكاز، وسيطر الحزن على آخر بسبب أزمة قلبية حديثة العهد. ولكني وجدت أن من كان ذكياً لا يزال ذكيا، ومن كان غبياً لا يزال غبيا، وثقيل الظل ظل كما هو، ومذلك خفيف الظل. كلهم في يسر نسبي، وكلهم لهم، أو كان لهم وظائف أو أعمال محترمة، ولكن التفاوت العقلي والخلقي لم يطرأ عليه أي تغير، إذ يبدو أنه لا المدرسة النموذجية، ولا المدارس الأقل نموذجية، استطاعت أن تقضي على هذا التفاوت.
ماذا علمتني الحياة؟
جلال أمين
مستنى ردك ضرورى:اسئلة تقنية!
1-ازاى بتعمل الخط bold
فى التعليقات
2-ازاى بتعمل روابط مباشرة
فى التعليقات برده
رااااااائعة ... و جلال أمين كالعادة عينه فاحصة تصل إلي العمق
لكن اللي قاله له بعض الإستثناءات ... قليلة و لكنها موجودة
مش هينفع أشرحلك هنا لأنه هيحول كل الأكواد
ابعتلي ايميلك أو رقم تليفونك يا ميدو وأنا تحت أمرك
طيب
mido_plade2006@yahoo.com
معلش حتعبك