TAFATEFO



نهاية المشروع

أحمد مطر


أحضِـرْ سلّـهْ
ضَـعُ فيها " أربعَ تِسعا ت "
ضَـعُ صُحُفاً مُنحلّـهْ .
ضـعْ مذياعاً
ضَـعْ بوقَـاً، ضَـعْ طبلَـهْ .
ضـعْ شمعاً أحمَـرَ،
ضـعْ حبـلاً،
ضَـع سكّيناً ،
ضَـعْ قُفْلاً .. وتذكّرْ قَفْلَـهْ .
ضَـعْ كلباً يَعقِـرْ بالجُملَـةْ
يسبِقُ ظِلّـهْ
يلمَـحُ حتّى اللا أشياءَ
ويسمعُ ضِحـْكَ النّملَـةْ !
واخلِطْ هـذا كُلّـهْ
وتأكّـدْ منْ غَلـقِ السّلـةْ .
ثُمَّ اسحبْ كُرسيَّاً واقعـُـدْ
فلقَـدْ صـارتْ عِنـدَكَ
دولَـهْ ..

TAFATEFO
آخر جزء من قصيدة ( جدارية ) للشاعر الكبير محمود درويش


ومثلما سار المسيحُ على البحيرة ... سرتُ في رؤيايَ .

لكنِّي نزلتُ عن الصليب لأنني أَخشى العُلُوَّ ولا أُبشِّرُ بالقيامة .

لم أُغيِّر غيرَ إيقاعي لأَسمع صوتَ قلبي واضحاً
للملحميِّين النُسُورُ ولي أَنا طَوْقُ الحمامة ،

نَجْمَةٌ مهجورةٌ فوق السطوح ، وشارعٌ يُفضي إلى الميناء
هذا البحرُ لي
هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي
هذا الرصيفُ وما عَلَيْهِ من خُطَايَ وسائلي المنويِّ … لي
ومحطَّةُ الباصِ القديمةُ لي .

ولي شَبَحي وصاحبُهُ .

وآنيةُ النحاس وآيةُ الكرسيّ ، والمفتاحُ لي
والبابُ والحُرَّاسُ والأجراسُ لي
لِيَ حَذْوَةُ الفَرَسِ التي طارت عن الأسوار … لي .. ما كان لي .

وقصاصَةُ الوَرَقِ التي انتُزِعَتْ من الإنجيل .. لي
والملْحُ من أَثر الدموع على جدار البيت .. لي
واسمي ، وإن أخطأتُ لَفْظَ اسمي
بخمسة أَحْرُفٍ أُفُقيّةِ التكوين لي :
ميمُ : المُتَيَّمُ والمُيتَّمُ والمتمِّمُ ما مضى
حاءُ : الحديقةُ والحبيبةُ ، حيرتانِ وحسرتان
ميمُ : المُغَامِرُ والمُعَدُّ المُسْتَعدُّ لموته الموعود منفيّاً ، مريضَ المُشْتَهَى
واو : الوداعُ ، الوردةُ الوسطى ، ولاءٌ للولادة أَينما وُجدَتْ ، وَوَعْدُ الوالدين
دال : الدليلُ ، الدربُ ، دمعةُ ، دارةٍ دَرَسَتْ ، ودوريّ يُدَلِّلُني ويُدْميني
وهذا الاسمُ لي ... ولأصدقائي ، أينما كانوا ،

ولي جَسَدي المُؤَقَّتُ ، حاضراً أم غائباً
مِتْرانِ من هذا التراب سيكفيان الآن
لي مِتْرٌ و75 سنتمتراً
والباقي لِزَهْرٍ فَوْضَويّ اللونِ ،
يشربني على مَهَلٍ ، ولي ..
ما كان لي : أَمسي ، وما سيكون لي ..
غَدِيَ البعيدُ ، وعودة الروح الشريد
كأنَّ شيئا ً لم يَكُنْ
وكأنَّ شيئاً لم يكن
جرحٌ طفيف في ذراع الحاضر العَبَثيِّ
والتاريخُ يسخر من ضحاياهُ ومن أَبطالِهِ
يُلْقي عليهمْ نظرةً ويمرُّ
هذا البحرُ لي ..
هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي ..
واسمي ..
وإن أخطأتُ لفظ اسمي على التابوت لي ..
أَما أَنا وقد امتلأتُ بكُلِّ أَسباب الرحيل
فلستُ لي ..
أَنا لَستُ لي ...
أَنا لَستُ لي ....

محمود درويش


TAFATEFO
في القدس
محمود درويش (من ديوان لا تعتذر عمّا فعلت)


في القدس؛
أعني داخل السور القديم؛
أسير من زمن إلى زمن بلا ذكرى تصوبني ..
فإن الأنبياء هناك يقتسمون
تاريخ المقدّس ،
يصعدون إلى السماء
و يرجعون أقل إحباطا و حزنا ؛
فالمحبة
و السلام مقدسان و قادمان إلى المدينة.

كنت أمشي فوق منحدر و أهجس:
كيف
يختلف الرواة على كلام الضوء في حجر؟
أمن حجر شحيح الضوء تندلع الحروب؟

أسير في نومي.أحملق في منامي.
لا
أرى أحدا ورائي.لا أرى أحدا أمامي ..
كل هذا الضوء لي ..
أمشي؛ أخف؛ أطير
ثم أصير غيري في التجلي ..
تنبت
الكلمات كالأعشاب من فم أشعيا النبوي ّ:
" إن لم تؤمنوا لن تأمنوا".


أمشي كأني واحد غيري،
و جرحي وردة
بيضاء إنجيلية،
و يداي مثل حمامتين
على الصليب
تحلقان و تحملان الأرض ..

لا أمشي، أطير، أصير غيري في
التجلي.
لا مكان ولا زمان
. فمن أنا؟


أنا لا أنا في حضرة المعراج ..
لكنّي
أفكر: وحده كان النبي محمد (ص) يتكلم العربية الفصحى ..
و ماذا بعد؟
..ماذا بعد؟

صاحت فجأة جندية :
هو أنت ثانية ؟ألم أقتلك؟
قلت : قتلتني ... و نسيت , مثلك , أن أموت.
محمود درويش
TAFATEFO

لزوم ما يلزم
نجيب سرور

( 1 )

قد آن يا كيخوت للقلب الجريح

أن يستريح ،

فاحفر هنا قبراً ونم

وانقش على الصخر الأصم :

" يا نابشا قبري حنانك ، ها هنا قلبٌ ينام ،

لا فرق من عامٍ ينامُ وألف عام ،

هذى العظام حصاد أيامي فرفقاً بالعظام ."

أنا لست أُحْسَبُ بين فرسان الزمان

إن عُدَ فرسان الزمان

لكن قلبي كان دوماً قلب فارس

كره المنافق والجبان

مقدار ما عشق الحقيقة .

قولوا " لدولسين " الجميلة ..

" أَخْطَابَ" .. قريتي الحبيبة :

" هو لم يمت بطلاً ولكن مات كالفرسان بحثاً عن بطولة ..

لم يلق في طول الطريق سوى اللصوص ،

حتى الذين ينددون كما الضمائر باللصوص ..

فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص ! " .

( 2 )

- ها أنت تقفز للنهاية ،

- هلا حكيت من البداية .

- ولمن أقول ؟ !

- هذى صفوف السنط والصبار تُنصت للحكاية :

- ألها عقول ؟

- ماذا يضيرك .. أَلْقِ ما في القلب حتى للحجر ،

أو ليس أحفظُ للنقوش من البشر ؟ !

( 3 )

يا سيداتي يا أميراتي الحسان ..

أنا لن أقول لكُنَ ما اسْمي بين فرسان الزمان ،

ولتنطق الأفعال من قبل اللسان ..

... ... ... ... ... ...

من أين أبدأ والظلام ،

يلتفت في أقصى الوراء وفى الأمام !

عرجاء حتى الذاكرة ..

والذكريات !

يا سيداتي معذرة ..

أنا لا أجيد القول ، قد أُنْسِيتُ في المنفى الكلام ،

وعرفتُ سرَّ الصمت .. كم ماتت على شفتيَ في المنفى الحروف !

الصمت ليس هنيهةً قبل الكلام ،

الصمت ليس هنيهة بين الكلام ،

الصمت ليس هنيهة بعد الكلام ،

الصمت حرف لا يُخَطُ ولا يُقال ..

الصمت يعنى الصمت .. هل يعني الجحيم سوى الجحيم ؟ !

عجباً .. أتضحك من كلامي السيدات .

" مم الضحك ؟ ! "

( 4 )

- " الماء قد فسرته بالماء بعد الجهد لا تيأس وحاول من جديد ..

كيخوت لا تصمت .. أليس الصمت - قلت - هو الجحيم !

- " لا .. بل فقلن الصمت موت ، أو ليس الموت صمتْ ؟ !

الحرف مثل النبت .. هل يحيا بغير الأرض نبتْ ؟ !

ولكل نبت أرضه المعطاء ليس يعيش في أرض سواها ..

الحرف يذبل يا أميراتي الحسان ..

ويموت لو يُنفى ، ويُنسى لا يمر على لسان !

حلفتُكُنَ بكل غالٍ ،

"هل ما تزال ..

فيكن واحدة تخمن من أنا ؟ ! "

( 5 )

من أنت ؟ .. تطعنك العيون ،

وتظل تنزف ، والسنون ..

تمضى كأسراب السحاب ..

في الصيف .. تبخل بالجواب ! .

من أنت .. ؟ .. لا تدرى .. وتدرى ما العذاب !

ما غربة الضفدع في الأرض الخراب

ما ضيعة البولة في الحمام والبصقة في يوم المطر !

( 6 )

" حدقن .. أمعن النظر ..

هذا حصاني جائزة ..

تُهدى لمن منكن تذكر من أنا ! ..

تضحكن ثانية أميراتي الحسان !

بعيونكن ألا فقلن ..

أمن الحصان على الهزال ..

تضحكن .. أم منى على سخف السؤال ؟ ! "

( 7 )

- قدم إليهن البطاقة !

- ما من بطاقة .

- قدم إليهن الجواز !

- ما من جواز .

لا وشم حتى فوق زند أو ذراع !

- يا للضياع !

وتظل تنهشك الوحوش ،

هذى العيون الخاليات من الرموش !

لو كان يعرف بالقلوب الناس لم يصفعك دوماً بالسؤال ..

- كل ابن كلب -

" من أنت ؟ " .. كالقفاز في عينيك يرمى بالسكين قلب !

وترى الكلاب تتيه كالفرسان .. والفرسان أضيع من كلاب !

- يا .. كلاب ..

كبدي خذوه ..

يا ناهشي الأكباد هاكُم فانهشوه ،

وليرحم اللّه الضحايا .. يرحم اللّه الضحايا !!

- لا .. لا تبالغ .. ما لهذا الحد أنت لهم ضحية

أخطأت أنت كما هم أخطأوا ..

أو علَّ سرا ثالثاً خلف الخطأ !

أنَا لتُعْجِزُنا الحياة ..

فنلومها .. لا عجزنا ،

ونروح نندب حظنا ،

ونقول : هذا العصر لم يخلق لنا !

- هو عصرنا !

- لكننا لسنا به الفرسان ..

نحن قطيع عميان يفتش في الفراغ عن البطولة ،

والأرض بالأبطال ملأى حولنا !

- ملأى .. ولكن باللصوص !

- الكأس حقاً نصف فارغة فماذا لو ترى النصف المليء ؟ !

لو لم تكن في العالم الأضداد ما قلنا : " عظيم أو قميء " !

- إني لأعلم .. غير أن الزيف يغتال الحقيقة !

أقرأت يوما في الحكايات القديمة ،

عن غادة حسناء في أنياب غول ؟ !

أرأيت يوما ضفدعه ..

ما بين فكي أفعوان ؟!

من ها هنا بدء الحكاية

يا قريتي .. يا عالمي ..

يا عالمي .. يا قريتي .. !!

( 8 )

" يا سيداتي يا أميراتي الحسان ..

إني أتيتُ إلى الوجودِ كما يجيء الأنبياء !

لا .. لست أنتحل النبوَّة ، غير أنى مثلهم ،

في مذود يوما ولدت !

في قريتي " أخطاب " .. حيث الناس من هول الحياة ،

موتى على قيد الحياة !

لا الأرض غنت لي ، ولا صلت لِمَقْدَمِيَ النجوم ،

ولا السماء تفتحت عن طاقةِ القدر السعيد ،

ولا الملائك باركوا مهدي ..

ولا هبطت تُصَفّق فوق رأسي بالجناحين حمامة !

قالوا : غراب ظل ينعق يومها فوق النخيل ..

حتى الفجر !

وعرفت أن الشمس لم تعبر بقريتنا .. ولا مر القمر ..

بدروبها من ألف جيل

ولا العيون تبسمت يوماً لمولود ولا دمعت لإنسان يموت ..

فالناس من هول الحياة ..

موتى على قيد الحياة !

( 9 )

وظهيرةً .. آويت من لفح الهجير ،

لظلال صفصاف يُطِلُّ على غدير ،

وجلست محزوناً أنقل في المدى بصري .. فحط على الحقول ،

وعلى بيوتِ الطينِ ، والقصر الكبير ،

وعلى القبور ،

وأنا أدندن أغنية :

" يا بهية وخبريني ع اللي قتل ياسين " !

وسمعت ضفدعة بقربى تستجير ..

كانت بفكَّيْ أفعوان !

عبثاً هُرِعْتُ بغصن صفصاف ، فقد فات الأوان ،

غابت وغاب الأفعوان :

ما غصن صفصاف بمعركة الأفاعي والضفادع ؟ !

( 10 )

يا سيداتي .. يا أميراتي الحسان ..

وحفظت في الكتاب آيات الكتاب ،

عن ظهر قلب .

ونسيتها عن قلب ظهر !

إلا علامات على جسمي لضرب .

- بهراوة عمياء - مثل بقية الوشم القديم ،

وغراب هابيلَ وقابيلَ ، وفأساً للخليل ،

والفعل - فعل الأمر - " اقرأ ! "

فقرأت ما ألقت به الأيام بين يدي : أدهم ..

والزير سالم ، والهلالي ، وابن ذي يزن و عنتر ..

يا سيداتى .. ثم ناداني من الأعماق صوت :

" قَرَّباَ مربط النعامة منى ..

لم أكن من جناتها علم اللّه وإنى بحرها اليوم صالي " !

( 11 )

لكنهم قتلوا النعامة !

كم مرة بالنوق جاءوا ، أجحروا القرية من قبل المغيب ،

كم مرة قصوا بمقراض الحمير ..

قصوا الشوارب والشعور ،

ولحى الشيوخ ، وأطلقوا الكرباج يَرْتَعُ في الظهور ،

كم مرة هجموا بيوت الطين ، داسوا بالنعال على الحبالى

أوسعوا المرضع ضرباً والرضيع ،

كم مرة غنت بهية ..

ياسينها المقتول من فوق الهجين !

يا هول معركة الأفاعي والضفادع .

( 12 )

يا سيداتي .. يا أميراتي الحسان ..

ورحلت يوماً للمدينة ،

في ركبِ قافلةٍ ممزقةٍ حزينة

كُنّا أَهَلْنا فوق أمي آيتين من الكتاب ، و كومتين من التراب ..

و قالبيْ طوب وطبعاً ما تيسر من دموع !

لا فرق يا أخطاب بينك والمدينة ،

غير المداخن والمآذن والقلاع الشاهقة ،

غير الزحام ،

وضجيج آلاف الطبول ،

ونذير أجراس الترام .

يا سيداتي.. يا أميراتي الحسان ،

وهنا البغايا كالذباب بغير حصر ،

ومشاتل البوليس والمتسولين بكل شبر ،

وقوافل جَوْعَى تهيمُ من الرصيف إلى الرصيف ..

حيرى تفتش عن رغيف !

والسوق لا تغفو .. تضج من الصباح إلى الصباح :

( من يشترى ؟ - وبكم تبيع ؟ !

يفتح اللّه - اتفقنا ! – يا بلاش ! (

وهنا يباع ويشترى ..

يا سيداتي .. كل شيء !

حتى الترام يباع في وضح النهار ..

للقادمين من القرى .. !

يا دفتر الأرقام ما ثمني ؟! أنا مثل التراب بلا ثمن ..

لا شيء بالمجان غير الموت .. لكن .. لا مفر من الكفن !

( 13 )

كيخوت مهلاً .. ما هناك ؟

بحر من المتظاهرين هديره شق السماء ،

بالموت .. بالموت الزؤام .. أو الجلاء ؟

كيخوت .. ما الموت الزؤام .. وما الجلاء ؟

من هؤلاء ؟ !

ما هؤلاء ؟ !

وإذاك بين الموج تطفو كي تغوص ،

وتغوص كي تطفو - صغيراً أنت كنت - !

ما غير هذا حوت يونس ،

ما غير هذا .. أنت توشك تختنق !

وصرخت يا كيخوت بالموت الزؤام وبالجلاء ..

حتى لُفظت إلى الرصيف ،

فجعلت تهتف من هناك ..

وبمثل صوت الضفدعة ،

كيخوت وحدك .. بالرغيف ..

وسقوط " باشا " كان في أخطاب في القصر الكبير ،

وإذا بكف كالجبل ..

تهوى عليك .. على قفاك ..

كي تنكفىء ..

فوق الرصيف !

كيخوت فانهض .. هل ترى ؟ !

هجم العساكر .. بالألوف على الألوف ،

جاءوا كما الطوفان لا بالنوق بل بمصفحات ..

ومدرعات .

محفوظة يا قريتي .. فالنوق من لحم ودم ،

لا من حديد !

حوتان يقتتلان .. أيهما يكون المنتصر ؟ !

يا سيداتي .. يا أميراتي الحسان ..

من يومها أدركت ما الموت الزؤام وما الجلاء ..

فالموت في الميدان أكوام كحقل القمح في يوم الحصاد

يا قريتي .. ها أنت مثل مدينتي ..

كِلْتَاكُما في الهم .. في البلوى .. سواء !

( 14 )

و وجدتني في غابة سوداء.. آلاف الكتب .

يا رحلة في صحبة البومة والذئب .. وآوى .. وابن آوى !

والقرد والتمساح والجحش ، وذي القرنين والقرن الوحيد !

الحرف أنت . كما تكون يكون .. أي الناس أنت ؟ !

الحرف قديس - إذا ما كنت قديساً - وداعر ..

إن كنت بين الناس داعر !

يا غابة الأقلام .. يا سوق الضمائر !

- ما أنت أول فارس .. ما أنت آخر فارس ..

قد ضيعته الكُتْبُ ، ألقت فوق عينيه الغشاوة ،

فإذاك تخلط أي شيء ..

بأي شيء !

وإذا طواحين الهواء عمالقة ،

وإذا قطيع الضأن جيش مقبل كالصاعقة ،

وإذا الحظيرة قلعة، و الطشت تاج من ذهب ،

وإذا النعيق نفير الاستقبال . ( ها قد جاء كيخوت العظيم( !

يا للخديعة الكذب ..

يا أيها الآتون من بعدى الحذار ..

كل الحذار من الكُتُب !

( 15 )

- أنكون ..

يا ترى أم لا نكون !

أمن الحكمة أن نحيا الحياة ..

كيفما كانت .. ونرضى حظنا ،

أم نخوض البحر في هول الصراع ..

عزلا .. دون شراع ،

أم ترى الحكمة في أن ننتحر ؟ !

يا دجى .. ي اصمت .. يا .. يا .. يا جنون ..

أنكون ..

ي أترى أم لا نكون !

- يا سؤالا حائراً منذ قرون ،

هائما ليس يقر !

- أيها الهاتف من أنت ؟ !

- أنا بصقة قبر !

- أنا خفاش عجوز ،

يكره الضوء كما تكره أنت الظلمات ،

أيها الضارب في التيه بليل ..

كيف في التيه المفر ؟

يا صديقي .. خذ طريقي .. وانتحر !

- أنتحر ؟ !

- راحة الراحات ، ترياق الألم ،

وخلاصات خلاصات الحكم ..

أنت لا تملك غير الكلمات ،

حيلة العاجز عن كل الحيل

( كلمات .. كلمات .. كلمات (

غُصْنُ صفصاف هزيل ..

أي عُكّاز وفى الدرب ملايين الحفر !

أوشك الديك يصيح ،

وسَرَتْ كالسم أنفاس الصباح ،

فوداعاً .. أو إذا شئت اختصر ..

وليكن وشْك لقاء !

- أيها الهاتف قف ..

أيها الهاتف قف ..

......................

أنكون ..

يا ترى ..

أم لا نكون !!

( 16 )

(فتوى ! (

- أعطوا لقيصر ما لقيصر ،

وللإله ..

ما للإله !

- فما الذي تعطي لنا ؟ !

- ماذا تبقى عندكم ؟

- لم يبقى شيء ..

- فاهنأوا .. طوبى لكم !

( 17 )

يا سيداتي .. يا أميراتي الحسان ..!

صَلَّيْتُ في الماخور كي أعرف أسرارَ الطهارة ،

وزنيت في المحرابِ كي أسبر أغوار الدعارة ،

لكن شيئاً واحداً لم أقترفه .. هو اللواطة !

يا سيداتي معذرة ..

إن كنت قد جانبت آداب اللياقة .

أنا لست أعنى فتنة الغلمان .. ما كان " ابن هانيء " ..

في الحق لوطيا .. ولكن اللواطة أن تقول ..

ما لا تريد ،

أو أن تريد ولا تقول !

قالوا قديما : ( لا تخف إن قلت ، واصمت لا تقل ..

إن خفت ) .. لكن] أقول :

الخوف قواد .. فحاذر أن تخاف !

قل ما تريد لمن تريد كما تريد متى تريد ..

لو بعدها الطوفان قلها في الوجوه بلا وجل :

" الملك عريان " .. ومن يفتى بما ليس الحقيقة ..

فليلقني خلف الجبل !

إني هنالك منتظر ..

والعار للعميان قلبا أو بصر ،

وإلى الجحيم بكل ألوان الخطر !