أصبت بأول خيبة أمل في الثورة عندما سمعنا في مارس 1954 بنشوب خلاف بين رجال الثورة وعزلهم لـ محمد نجيب من رئاسة الجمهورية. كنا نعشق محمد نجيب عشقاً، ففضلاً عن ارتباط اسمه بالثورة منذ أول ساعة، كان للرجل صفات شخصية شديدة الجاذبية، إذ بدا عليه الإخلاص التام والنزاهة والتواضع الحقيقي، مع ميل واضح للفكاهة دون أن يفقد احترام الناس له. لم نكن نعرف لأي عضو آخر في قيادة الثورة أي دور مهم فيها، وكان اسم جمال عبدالناصر لا يزال اسماً مغموراً لا أهمية له. كنت وقتها في السنة الثالثة في كلية الحقوق، وهاجت الجامعة هياجاً شديداً غضباً على عزل محمد نجيب. ولا أزال أذكر خطبة ألقاها حسن دوح، وكان من قادة الإخوان في الجامعة، وخطيباً موهوباً، دعا فيها إلى رفض الرأسمالية والاشتراكيةوالتمسك بالإسلام. وبلغ حماس الطلبة منتهاه عندما اقتطف آية قرآنية وهو يصف دعوته قائلاً إنها "لا شرقية ولا غربية"، "زيتونة مباركة". وقد ظل هذا الاقتطاف من القرآن الكريم عالقاً بذهني أتذكره كلما لاحظت مدى قوة تأثير الدين في المصريين، وكيف أن نفس الفكرة التي يمكن أن يقابلها الناس ببرود، يمكن أن تثير حماسهم بشدة إذا عبر عنها تعبيراً دينياً.
وقد انضممت إلى اعتصام قام به الطلبة في داخل قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة مصممين على عدم ترك مكانهم حتى يعود محمد نجيب إلى منصبه. وقد أرسل قادة الثورة إلينا من يحاول أن يثنينا عن عزمنا فلم نقبل، وقد فرضت حراسة قوية حول أبواب الجامعة تمنع أي شخص من الانضمام إلى المعتصمين، ولكن ترحب بخروج أي طالب إلى غير رجعة. وكنت أنوي قضاء الليلة معهم إلى أن جاءني من يقول إن سيدة تسأل عنك على سلم قاعة الاحتفالات، فخرجت إليها فإذا بها والدتي، رأستها واقفة على سلم قاعة الاحتفالات بشبشبها وطرحتها السوداء، وقد راعها أن تسمع بانضمامي للطلبة الثائرين فقد قررت أن تأتي على الفور لإخراجي.
......، وكان ذهولي برؤيتها بهذه الحالة، وخجلي من زملائي المعتصمين كافيين لأن أترك الاعتصام وأعود معها صاغراً إلى البيت.
لم يستمر الاعتصام طويلاً، بل ربما لم يستمر أكثر من بضع ساعات أخرى، إذ أعلن قادة الثورة عودة محمد نجيب، بناء على قرار ماكر، كما تبين لنا فيما بعد، بالانحناء للعاصفة حتى يهدأ الناس، على أن يعزلوه فيما بعد عندما يأخذون للأمر عدّته ويحسنون الاستعداد له. كان من بين ما رتب للتخلص من محمد نجيب نهائياً، إخراج مظاهرات تهتف ضد الدكتور السنهوري الفقيه الكبير، والذي كان وقتها رئيساً لمجلس الدولة ومن المناصرين لـ محمد نجيب. وخرج العمال المدفوعون بالطبع من رجال الثورة المنشقين على نجيب، يهتفون "يسقط السنهوري الجاهل"، واقتحموا عليه مبنى مجلس الدولة في الجيزة واعتدوا عليه وشجوا رأسه بلوح الزجاج الذي كان يغطي مكتبه. كان تأثري، أنا وزملائي في كلية الحقوق، شديداً بما حدث للسنهوري، ففضلاً عن أنه كان أقرب أصدقاء أبي إلى قلبه، كان يتمتع بمكانة عالية لدى طلبة الحقوق، فقررنا أن نذهب لزيارته في المستشفى ومعنا باقة ورد تحمل إهداء من طلبة كلية الحقوق، وقمنا بذلك بالفعل مما يدل على أن الدولة البوليسية لم تكن قد اشتد عودها بعد في مصر، إذ لم يكن مثل هذا العمل ليمرّ بسهولة لو كان قد حدث بعد سنوات قليلة.
كانت صحة أبي وقتها قد تدهورت بشدة، فنبهت علينا أمي ألاّ نخبره بما حدث للسنهوري خشية المزيد من التدهور. ومع ذلك فكان السر أكبر من قدرتها على كتمانه فسرعان ما أخبرته بنفسها بما حدث. وقد مات أبي بعد هذا الحادث بشهرين (30 مايو) ولكن السنهوري كان قد خرج من المستشفى، ولا أعرف بالضبط لماذا لم تسل دموعي على أبي، إلا عندما رأيت مدى حزن السنهوري عليه، وهو يسير في جنازته.
نشأ لديّ في ذلك الوقت شعور قوي كراهية جمال عبدالناصر. ولم يكن هذا وقتئذ غريباً بالمرة. لقد اقترن بدء تردد اسمه بانقلاب الثورة على نفسها، وبتوجيه انتقادات غير مقنعة وغير مفهومة لرجل كنا نحبه كل هذا الحب، وهو محمد نجيب. وقد سمعنا أن عبدالناصر كان له الدور الأكبر في ترتيب الاعتداء على السنهوري، وأنه ذهب مع ذلك لزيارته في المستشفى فرفض السنهوري مقابلته.
كان ذلك البيان غير المقنع وغير المفهوم الذي أذيع علينا لتبرير خروج محمد نجيب من منصبه مجرد بداية لسلسلة لم تنته من استخدام حجج وشعارات ملتوية، وتسمية الأشياء بغير أسمائها الحقيقية، من تسمية الهزيمة العسكرية بـ (النكسة) إلى تسمية انقلاب صاحب سلطة على صاحب سلطة آخر بـ (ثورة التصحيح) .. إلخ، مما لم يكن معهوداً في عصر ما قبل 1952. ثم لم ينقض وقت طويل على الانقلاب على محمد نجيب حتى جرى توقيع اتفاقية الجلاء في 1954، التي كرهناها أيضاً كرهاً عميقاً، إذ كانت تنص على حق الإنجليز في العودة إلى احتلال قناة السويس لدى حدوث أي اعتداء أو تهديد بالاعتداء على أي دولة من الدول العربية أو على تركيا، وكان مثل هذا النص هو الذي أثار المصريين على مشروع صدقي-بيفين (1946) وأدى إلى سقوط إسماعيل صدقي من الحكم. بدت لنا إذن اتفاقية الجلاء نكوصاً مشيناً عن الآمال القومية، وثارت شكوك قوية في وطنية عبدالناصر، ولهذا لم أشعر بأي تعاطف معه عندما حدثت محاولة الاعتداء عليه في ميدان المنشية بالإسكندرية في 1954، وكنت أكثر ميلاً إلى تفسير الحادث بأنه مدبر من الحكومة نفسها لتبرير القبض على بعض خصومها.
وشعرت بالامتعاض الشديد عندما سمعت ما قاله عبدالناصر للناس بعد إطلاق النار عليه مباشرة، إذ كان تعبيره عن تعجبه من أن يطلق أحد النار عليه هو "أنا الذي علمتكم العزة والكرامة"، فقد وجدت في هذه العبارة ما لا يطاق من الغرور من ناحية، وإهانة للمصريين من ناحية أخرى. كما أني استبعدت أن تتوافر لأي شخص البديهة الحاضرة لهذه الدرجة بعد إطلاق النار عليه مباشرة، إلاّ إذا كان يعرف بإطلاق النار مقدماً. في أعقاب هذا الحادث مباشرة خرجت أم كلثوم بأغنية جديدة مطلعها "يا جمال يا مثال الوطنية، أجمل أعيادنا القومية، دي نجاتك يوم المنشية"، فلم أصبر على سماعها، وكنت أغلق الراديو بمجرد أن تبدأ، مع أني كنت أيامها مغرم بأغانيها وأنتظر أي أغنية جديدة لها بفارغ الصبر.
لم أكن وحدي أشعر بهذا الشعور المعادي لـ عبدالناصر في 1954، بل كان يشاركني في ذلك الكثيرون، خاصة بعد أن سمعنا بفصل كثير من أساتذة الجامعة من اليساريين والإخوان المسلمين، والقبض عليهم لمجرد إبدائهم لآراء، أو الشك في أن لديهم آراء معادية للنظام. ولكن حدث في العام التالي مباشرة ما بدأ يشيع مناخاً جديداً، وبدأت ألاحظ في بعض المجلات المتعاطفة مع اليسار نغمة جديدة فيها تعاطف مع عبدالناصر. كان السبب في ذلك مؤتمر باندونج، حيث بدأ ظهور شعارات الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، وبدا من حكومة الثورة أنها سوف تسير في نفس الاتجاه الذي رفع شعاراته نهرو و سوكارنو و تيتو. ولكن التغير الكامل في موقفنا ومشاعرنا تجاه عبدالناصر جاء في 1956، بإعلانه المفاجئ تأميم قناة السويس. لم نصدّق آذاننا ونحن نسمع الخبر، وكانت فرحتنا واعتزازنا بأنفسنا ومصريتنا أكبر مما يمكن وصفه.
وقد انضممت إلى اعتصام قام به الطلبة في داخل قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة مصممين على عدم ترك مكانهم حتى يعود محمد نجيب إلى منصبه. وقد أرسل قادة الثورة إلينا من يحاول أن يثنينا عن عزمنا فلم نقبل، وقد فرضت حراسة قوية حول أبواب الجامعة تمنع أي شخص من الانضمام إلى المعتصمين، ولكن ترحب بخروج أي طالب إلى غير رجعة. وكنت أنوي قضاء الليلة معهم إلى أن جاءني من يقول إن سيدة تسأل عنك على سلم قاعة الاحتفالات، فخرجت إليها فإذا بها والدتي، رأستها واقفة على سلم قاعة الاحتفالات بشبشبها وطرحتها السوداء، وقد راعها أن تسمع بانضمامي للطلبة الثائرين فقد قررت أن تأتي على الفور لإخراجي.
......، وكان ذهولي برؤيتها بهذه الحالة، وخجلي من زملائي المعتصمين كافيين لأن أترك الاعتصام وأعود معها صاغراً إلى البيت.
لم يستمر الاعتصام طويلاً، بل ربما لم يستمر أكثر من بضع ساعات أخرى، إذ أعلن قادة الثورة عودة محمد نجيب، بناء على قرار ماكر، كما تبين لنا فيما بعد، بالانحناء للعاصفة حتى يهدأ الناس، على أن يعزلوه فيما بعد عندما يأخذون للأمر عدّته ويحسنون الاستعداد له. كان من بين ما رتب للتخلص من محمد نجيب نهائياً، إخراج مظاهرات تهتف ضد الدكتور السنهوري الفقيه الكبير، والذي كان وقتها رئيساً لمجلس الدولة ومن المناصرين لـ محمد نجيب. وخرج العمال المدفوعون بالطبع من رجال الثورة المنشقين على نجيب، يهتفون "يسقط السنهوري الجاهل"، واقتحموا عليه مبنى مجلس الدولة في الجيزة واعتدوا عليه وشجوا رأسه بلوح الزجاج الذي كان يغطي مكتبه. كان تأثري، أنا وزملائي في كلية الحقوق، شديداً بما حدث للسنهوري، ففضلاً عن أنه كان أقرب أصدقاء أبي إلى قلبه، كان يتمتع بمكانة عالية لدى طلبة الحقوق، فقررنا أن نذهب لزيارته في المستشفى ومعنا باقة ورد تحمل إهداء من طلبة كلية الحقوق، وقمنا بذلك بالفعل مما يدل على أن الدولة البوليسية لم تكن قد اشتد عودها بعد في مصر، إذ لم يكن مثل هذا العمل ليمرّ بسهولة لو كان قد حدث بعد سنوات قليلة.
كانت صحة أبي وقتها قد تدهورت بشدة، فنبهت علينا أمي ألاّ نخبره بما حدث للسنهوري خشية المزيد من التدهور. ومع ذلك فكان السر أكبر من قدرتها على كتمانه فسرعان ما أخبرته بنفسها بما حدث. وقد مات أبي بعد هذا الحادث بشهرين (30 مايو) ولكن السنهوري كان قد خرج من المستشفى، ولا أعرف بالضبط لماذا لم تسل دموعي على أبي، إلا عندما رأيت مدى حزن السنهوري عليه، وهو يسير في جنازته.
نشأ لديّ في ذلك الوقت شعور قوي كراهية جمال عبدالناصر. ولم يكن هذا وقتئذ غريباً بالمرة. لقد اقترن بدء تردد اسمه بانقلاب الثورة على نفسها، وبتوجيه انتقادات غير مقنعة وغير مفهومة لرجل كنا نحبه كل هذا الحب، وهو محمد نجيب. وقد سمعنا أن عبدالناصر كان له الدور الأكبر في ترتيب الاعتداء على السنهوري، وأنه ذهب مع ذلك لزيارته في المستشفى فرفض السنهوري مقابلته.
كان ذلك البيان غير المقنع وغير المفهوم الذي أذيع علينا لتبرير خروج محمد نجيب من منصبه مجرد بداية لسلسلة لم تنته من استخدام حجج وشعارات ملتوية، وتسمية الأشياء بغير أسمائها الحقيقية، من تسمية الهزيمة العسكرية بـ (النكسة) إلى تسمية انقلاب صاحب سلطة على صاحب سلطة آخر بـ (ثورة التصحيح) .. إلخ، مما لم يكن معهوداً في عصر ما قبل 1952. ثم لم ينقض وقت طويل على الانقلاب على محمد نجيب حتى جرى توقيع اتفاقية الجلاء في 1954، التي كرهناها أيضاً كرهاً عميقاً، إذ كانت تنص على حق الإنجليز في العودة إلى احتلال قناة السويس لدى حدوث أي اعتداء أو تهديد بالاعتداء على أي دولة من الدول العربية أو على تركيا، وكان مثل هذا النص هو الذي أثار المصريين على مشروع صدقي-بيفين (1946) وأدى إلى سقوط إسماعيل صدقي من الحكم. بدت لنا إذن اتفاقية الجلاء نكوصاً مشيناً عن الآمال القومية، وثارت شكوك قوية في وطنية عبدالناصر، ولهذا لم أشعر بأي تعاطف معه عندما حدثت محاولة الاعتداء عليه في ميدان المنشية بالإسكندرية في 1954، وكنت أكثر ميلاً إلى تفسير الحادث بأنه مدبر من الحكومة نفسها لتبرير القبض على بعض خصومها.
لم أكن وحدي أشعر بهذا الشعور المعادي لـ عبدالناصر في 1954، بل كان يشاركني في ذلك الكثيرون، خاصة بعد أن سمعنا بفصل كثير من أساتذة الجامعة من اليساريين والإخوان المسلمين، والقبض عليهم لمجرد إبدائهم لآراء، أو الشك في أن لديهم آراء معادية للنظام. ولكن حدث في العام التالي مباشرة ما بدأ يشيع مناخاً جديداً، وبدأت ألاحظ في بعض المجلات المتعاطفة مع اليسار نغمة جديدة فيها تعاطف مع عبدالناصر. كان السبب في ذلك مؤتمر باندونج، حيث بدأ ظهور شعارات الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، وبدا من حكومة الثورة أنها سوف تسير في نفس الاتجاه الذي رفع شعاراته نهرو و سوكارنو و تيتو. ولكن التغير الكامل في موقفنا ومشاعرنا تجاه عبدالناصر جاء في 1956، بإعلانه المفاجئ تأميم قناة السويس. لم نصدّق آذاننا ونحن نسمع الخبر، وكانت فرحتنا واعتزازنا بأنفسنا ومصريتنا أكبر مما يمكن وصفه.
ماذا علمتني الحياة؟
جلال أمين
حكاية ضرب السنهورى دى جديدة اول مرة اسمع عنها
بس عادى ممكن تتخيل اى حاجة
الواحد مش لاقى وقت يقرا
كل ما حد يجيب في سيرة جمال عبد الناصر اكتشف ان عصره كان مليا ن احداث كتير في منها كويس وفي منها زي الزفت
وفي نفس الوقت الاحداث اللي احنا عاصرنها في عهد مبارك كلها زفت
بس المشكلة ان احنا معاصرين لعهد مبارك وده اللي حيخلينا لو عملنا مقارنا بين الاتنين ح نحب عبد الناصر
وبنفس الاسلوب لو عملنا مقارنا بين عهد السادات وعهد مبارك حنلاقي نفسنا حبينا السادات
المشكلة ان احنا اصلا مش لاقين حجة نحب بيها مبارك
بس يا تري بقي لو قارنا بين عبد الناصر والسادات تفتكر مين فيهم اللي حيكسب ؟؟
اكتر حاجه باحس فيها بتضاد وتناقض في شخصية ناصر .. هو انه هو والظباط الاحرار عملو ثورة اتنين وخمسين عشان مبدأ المساواه في رأس المال والقضاء على الاقطاعين والمحتكرين للبلد
ومع ذلك هو بنفسه اللي قال .. الفقراء يدخلون الجنه
!!!
نعم؟؟؟
يعني ايه ولا مؤاخذه؟؟؟
طب ماهو لو كده بقى .. انت واللي معاك كنتو بتعملو ام الثورة ليه؟؟؟
حسبنا الله ونعم الوكيل في كل واحد من حكامنا سرق حقوقنا وفلوسنا وكرامتنا
سلاموووووووووووز
@ tamer.sala7
أنا رأيي ان في وجهين بس للمقارنه بين ناصر والسادات
ناصر كان كذاب والسادات كان صادق
ناصر كان ذكي والسادات كان أقل ذكاء (بكثير)
غير كده الاتنين دكتاتوريين (مع الاختلاف في قمع الحريات والذكاء) والاتنين كانوا جزء من مشروع أمريكي (في رأيي)
@ sooo
منور يا فندم
بس ناصر لما قال الفقراء لهم الجنه .. كان بيتتريق .. كمل الخطبه .. هتلاقيه بيقول: "هما الفقراء دول ملهمش نصيب في الدنيا نصيبهم بس في الآخره ؟! هما عايزين أيضاً نصيب صغير في الدنيا .. ويدوكوا أصاده نصيب في الجنه"
شوف المقطع ده من خطبته هنا