TAFATEFO

هل حدث أن تحرك موظف أو موظفة وتقدم واضعاً بيع ذمته كهدف؟ على الإطلاق لم يحدث شيء من هذا. إنه دائماً يتحرك موهماً نفسه مؤكداً ومقسماً ومؤمناً إيماناً لا يتزعزع أنه إذ يتحرك فإنما ليؤدي واجبه فقط .. لينجز عمله.

عسكري المرور الذي يقبل القروش العشرة حتى لا يحرر لك محضراً يوهم نفسه، بأدلة يصنعها أو يصطنعها، أنك فعلاً لا تستحق المحضر، وأنّه بإلغائه إنما يؤدي واجبه الذي يمليه عليه ضميره. وما العشرة قروش سوى مبلغ تطوعت أنت بدفعه سذاجة وعبطاً، إذ كان هو على أي الحالات لم يكن ينوي تحرير محضر.

كذلك الوزير الذي يقبل دعوتك وهو عالم أنك في حاجة غداً لتوقيعه، يقبلها وهو قد انتوى نية خالصة مخلصة أنه وإن كان قد قبل، إلا أنه لن يوافق غداً ويوقع إلا إذا كنت فعلاً قد استوفيت شروط الموافقة. وحين يأتي الغد وتعرض أوراقك مع أوراق الآخرين ويجد أنك مثلهم مستوفياً للشروط أو معظمها، يؤكد لنفسه أن اختياره لك دوناً عن الباقين لن يخلو من حكمة، إذ هو يعرفك حق المعرفة ويعرف أنك لن تخدع الحكومة ولن تسف أموالها، بينما هو لا يعرف الآخرين ولا يضمنهم. حينئذ ولأجل المصلحة العليا وحدها يؤشر على ورقك بالموافقة وعلى الآخرين بالحفظ، مؤمناً أشد الإيمان أنه بها العمل قد أدى أكبر الخدمات وأجلها للبلاد وللوطن.


يوسف إدريس
"العيب"
2 تعليقات
  1. عمرو Says:

    مصطفى
    أحيانا أفكر فى حال الموظف المرتشى و أصل لقناعه أنه معذور فى مد يده لأخذ الرشوه و اللى أسماها يوسف اٍدريس قروش تطوعت بها
    موظف مرتبه لا يتجاوز ال 400 أو ال500 جنيه بعد الحوافز و البدلات و وراه كوم لحم فى رقبته طيب يعمل أيه ؟ ياكلهم منين ؟
    صدقنى مش منحاز لصف المرتشين لكن منحاز للفقراء اللى لا حيله بيدهم فى هذا الزمن العجيب


  2. TAFATEFO Says:

    ممممم
    الروايه تتعرض للنظرات للمرتشي .. ومنها نظرة المضطر قليل الحيله .. لكن الجزء ده من الروايه لا يتعرض للدافع .. لكن يتعرض لبعض ما يفكر فيه المرتشي ويحل لنفسه ما يأخذه.

    في جزء ثاني من الروايه نظر للمرتشي على أنه متناقض .. يلوم ولده ويعاقبه أشد العقاب لأنه سرق اصبع طباشير ملون .. ويشهر به لذلك .. مع أنه يرتشي في اليوم ما يشتري 100 اصبع طباشير.

    ونظر له نظره ثالثه أنه يضحي بنفسه من أجل غيره .. فهو يضحي بكرامته ونظافته الشخصيه .. من أجل أن يمنع أهله من العوز الذي قد يجعلهم يرتشون أو يسرقون مثله.

    الروايه كلها جميله (كشأن كل روايات يوسف إدريس) .. لو ملقيتلهاش لنك على النت .. أسكانها لحضرتك لو تحب