TAFATEFO
وكانت العادة قد جرت على أن يبدأ الذين بيدهم تقسيم الأغنام في إعطاء الآلهة حصتها من الأسلاب .. اعترافاً لها بالحمد والشكر لما حبتهم به من نعم وجعلتهم من الظافرين.

ثم يأتي بعد ذلك دور كسرى .. وكان من نصيبه في هذه المعركة خباء فخم لأبروداش أحد قواد الأشوريين، وكان به زوجته الفاتنة الحسناء، ومعها جواريها من راقصات ومغنيات، وبقية الخدم والأتباع.

ولما وصل كسرى النبأ .. طلب -أراسبيز- صديق طفولته ووكل إليه أمر الخباء وكلفه بحراسة الأميرة وتوابعها. وشعر أراسبيز بعبء هذه المهمة التي ألقيت على كاهله فسأل كسرى:

- هل رأيت هذه المرأة التي كلفتني بحراستها؟


- كلا .. لم يقع نظري عليها بعد.


- لقد رأيتها عندما كنا نوزع الغنائم، ولم أستطع تمييزها لأول نظرة عندما دخلت الخباء .. فقد كانت ترتدي نفس الملابس التي ترتديها تابعاتها .. ولكن النظرة الثانية إليها علمتني أنها نسيج وحدها .. لقد وقفت عندما أمرتها بالوقوف .. فكانت قطعة أبدع الله صنعها .. كانت تبكي بكاءً مراً .. وحاولنا طمأنتها والتخفيف من لوعتها .. فقلنا لها إنها قد أصبحت ملكاً لكسرى العظيم .. سيد ملوك العالم قاطبة .. فما زادها إلا عويلاً ونحيباً .. حتى لقد شقت خمارها فبدا منه رأسها وتعرت رقبتها حتى الكتف .. فشع منها السحر حتى كاد يذهب بأبصارنا وعقولنا ..


ثم صمت لحظة وأردف:


- اذهب إليها .. لترى الفتنة وضعت في امرأة. اذهب وانظر .. فترى عيناك .. أكثر مما سمعت أذناك.


وهز كسرى رأسه، ثم أطرق وقال:

- يا صاحبي لن أذهب إليها قط .. لن ألقي بيدي إلى التهلكة .. سأفر من هذه الفاتنة .. وسأمعن في تجنبها كلما أمعنت في وصف جمالها .. أنت تعلم أنه ليس لدي وقت للهو والحب .. فلو كانت صاحبتك كما وصفتها، لأذهب جمالها مني العقل .. فارتميت في أحضانها .. وفقدت معاركي وكنت من الخاسرين.


فضحك أراسبيز ساخراً وقال:


- كسرى العظيم يقول هذا ؟! أتصدق يا سيدي أن مجرد النظر إلى الجمال مهما كان سحره يمكن أن يفتن الرجل القوي .. فيوقعه في شراكه ويجعله يتخبط كـفأرٍ في مصيدة؟ .. كلا يا سيدي .. كلا .. لو كان قولك صحيحاً، لكان الجمال كنار مستعرة، تحرق بشواظها كل من لمسها .. ولكنا رأينا كل من حول هذه المرأة قد اكتوى بنار حبها .. وجن من فرط هواها.


إن الحب يا سيدي لا يمكن أن يكره عليه المرء .. إنه أمر يفعله الإنسان بمحض إرادته .. وبمشيئته واختياره .. فهو ليس -كما تتصور- أغلالاً يكبل بها المرء، أو أسراً يقع فيه .. والإنسان حر في أن يحب أو لا يحب .. وليست المسألة مسألة جمال .. فقد يجذبني جمال لا يحرك فيك ساكناً .. وقد أرى جمالاً لا يكلفني حتى مشقة النظر إليه .. ثم تراه فيتركك صريعاً لا حراك بك.


وعلى أية حال .. فإنني أعتقد أن ذا الحجا .. يستطيع أن يسير في الطريق الذي يريد أن يسير فيه .. ولن تستطيع امرأة -مهما بلغت من السحر- أن تثنيه عن غايته.


وكان كسرى يسمع لصاحبه مطرقاً، فلما انتهى صاحبه رفع إليه رأسه سائلاً:


- إذا كان الأمر كما تقول يا أراسبيز، فلم لا يكف الناس عن الحب؟ .. لم لا يستطيع هؤلاء الذين تحطمت حياتهم على مذبح الحب؛ أن يفروا منه؟ وهؤلاء الذين ذهبت عروشهم في سبيل الحب؛ فذلوا بعد عز؛ لِمَ لَم يتمكنوا من الإفلات من شراكه؟ وأولئك الذين أدمت أقدامهم الأشواك الملقاة في طريق الحب فتعثروا فيها؛ لِمَ لَم يطرقوا طريقاً آخر؟


- هؤلاء هم ضعاف النفوس .. خفاف الأحلام .. ولعمري؛ لا أدري لِمَ نصفح عن أولئك الذين لا يستطيعون أن يكفوا عن الحب .. ونعاقب أولئك الذين لا يستطيعون أن يكفوا عن السرقة وهم في الجرم سواء ..

فإذا كان الأخير لا يبرر جرمه أن ما سرقه قد أغراه بالسرقة .. فلِمَ يبرر حب العاشق أن الجمال قد أغراه بالحب؟


إن الذين تسميهم بضحايا الحب .. هم أولئك الذين لا يصلحون في الحياة لشئ .. ولو لم يكونوا ضحايا حب؛ لكانوا ضحايا أي شئ آخر .. بل لكانوا ضحايا أنفسهم، وضحايا عجزهم وضعفهم. وكل ما في الأمر أنهم جعلوا الحب ستاراً يخفون خلفه نفوسهم الواهنة ..


ولم لا تأخذ مني مثلاً يا سيدي؟ وقد رأيت هذه المرأة التي ركبت في عينيها؛ بل في كل جزء من أجزاء جسمها .. قوساً وسهاماً .. فهي لا تفتأ تصيب الناظر إليها بالسهم تلو السهم .. حتى يسلم إليها .. أو يسقط صريعاً .. فما استطاعت أن تصيبني بخدش .. لا لشئ إللا لأني أعلم أن ليس لي أن أحبها لأنها ليست ملكاً لي .. بل ملكاً لك.

- قد تكون صادقاً .. ولكن تذكر أنك لم تر المرأة إلا مرة واحدة فقط .. لقد أبيتَ إلا أن تشبه الجمال بالنار التي تلهب كل من لمسها .. ولكني أؤكد لك أن النار أخف وطأة .. لأنك لن تلهبك إلا إذا وضعت يدك فيها .. أما الجمال، فصاحبته يمكن أن تصيبك وهي بمنأى عنك .. فتشعل فيك الفؤاد .. وتلهب القلب .. فلا تشعر إلا حين تصبح هشيماً تذروه الرياح .. وإذا بك يا صاحبي قد أصبحت دون أن تدري من ضحايا الحب ..

وافترقا .. وكل منهما ما زال عند رأيه .. وكان آخر ما قاله أراسبيز:

- إني لن أقع في شراك حب لا أرغب في الوقوع فيه.

من قصة " كسرى وصاحبه "
يوسف السباعي
6 تعليقات
  1. هو حضرتك فاهم انه بمزاجك تخب
    امي دايما تقول ده زي مايكون الواحد ماشي في حاله وتقع عليه قصرية زرع
    من الدور العاشر
    تعمل له عاهه مستديمه
    المهم علي زكر الحب لوسمحت ادخل المدونه دي عشان ده موضوع جامد احب انك تدلوا بدلوك فيه
    واعتقد انه لايقل اهميه عن الكوارث اللي احنا فيها
    ay7aga16
    وشكرا


  2. TAFATEFO Says:

    :D:D:D

    على فكره في تكملة القصة أراسبيز وقع في حب الفاتنة .. ومطالش يا عيني

    بس أنا اللي عجبني الحوار

    وعلى العموم أنا بقى بمزاجي :D .. ولو حبيت وايه يعني .. زي الفل .. فودافون .. عيش أحلى ما في اللحظه .. انما هيام وغرام وعشق وانتقام والكلام ده .. أنا أوت

    :D:D


  3. ماشي ماشي هنشوف
    مادخلتش ليه عند البنوته اللي بعتلك مدونتها البنت دي محتاجه حد يقف جنبها ويوجهاصح ومافيش احسن من الشباب اللي زيها يعمل ده
    انا عارفه ان السياسه هي شغلك الشاغل
    بس الجيل الجديد هو المستقبل برضه
    ادخل عندها وانصحها بماانك شاب رافض اصلا الحب


  4. TAFATEFO Says:

    يا أستاذه شمس .. أنا مش رافض الحب
    .. مفيش حد يقدر يرفض شئ لا يملك فيه اختيار.

    أؤمن به تماماً .. تعرضتله .. وبرحب بيه .. أهلاً وسهلاً بيه في أي وقت .. لكن أنا موقفي منه زي موقفي من أي قيد .. ادور وشي الناحيه التانيه وأسيبه وأمشي

    الرسول (ص) أحب السيدة خديجة حباً عظيماً .. وكان يرفض ويغضب إذا ذكرت بما يقلل من قدرها حتى بعد وفاتها بسنوات كثيرة .. وكان يغضب من عائشة رضي الله عنها التي كان يحبها أيضاً حبا شديداً إذا ذكرت السيدة خديجة رضي الله عنها بما يكره.

    الحب .. الوفاء .. كل هذه مشاعر جميلة أؤمن بها .. وأتمنى أن أنعم بها

    لكن قيد الحب هو ما أرفضه رفضاً باتاً .. أنا معنديش استعداد أي حاجه تغير الطريقة اللي أستمتع بها بحياتي .. الطريقة التي أعيشها .. والتي لا تتناسب مطلقاً مع 99ز9% من البنات أو الزوجات.

    أحب أهلاً وسهلاً .. مش بمزاجي .. لو حصل هرحب بيه كما أرحب بأي مصيبة أو سوء يحصللي .. وكما أرحب بأي حادث سعيد يحدث لي وأحتفل به .. لكن هل يتملكني؟ أرجو الله تعالى أن لا يمكنه مني .. أبداً

    ليه مريتش هناك .. لأن نصيحتي هتبقى نصيحة روبرت دي نيرو في هييت
    Heat
    متخليش في حياتك حاجه متقدرش تدور وشك وتسيبها وتمشي في ثانيه (غير الأهل والأصدقاء دي أنا أضيفها علشان الاستمتاع بالحياه) .. زوجة وأولاد والكلام ده كله أنا مقدرش عليه

    نصيحتي للي عايز يستمتع بشبابه .. خليك خفيف .. حر

    يمكن في مرحله جايه تفرض الطبيعة العمرية على الانسان انه يبحث عن الاستقرار .. لكني لا أبحث عنه .. ولا عايزه .. على الأقل في المرحلة الحالية

    حبيت آه .. بحب آه .. وبعدين؟ حلو .. عادي .. طظ .. أي حاجه .. الشعور مش بايدي .. لكن القيد على جثتي :D


  5. mido g Says:

    رأيك فى الحب مختلف فعلا

    --------------
    بالنسبة للاكونت بتاعك على اليوتيوب رجعته ولا لسه ؟
    انا بادور على حاجات انت كنت رافعها ومش لاقيها
    متأوليش ضاعت.تبئى مصيبة!!


  6. TAFATEFO Says:

    ضاعت تبئى مصيبه

    :D:D قولي انت بتدور على ايه وأنا أحاول أشوفهولك عند أي حد