TAFATEFO


ودعينا نحن الأربعة لمقابلة الرئيس المشرف على التعليم في الجمعية الخيرية الإسلامية وهو حسن باشا عاصم، وعلمت فيما بعد أنه رجل من عظماء مصر اشتهر بمتانة الخلق والحزم والتشدد في الحق والتزام العدل مهما كانت الظروف، كان رئيساً للقلم العربي في السراي أيام الخديوِ عباس فأراد الخديوِ أن يستبدل أطيانا يملكها بأطيان للوقف، فوقف هو والشيخ محمد عبده في ذلك، إذ كانا عضوين في مجلس الأوقاف الأعلى، وقالا إن في هذا الاستبدال غبنا على الأوقاف، فأخرجه الخديوٍ من وظيفته، فتبرع حسن باشا عاصم بالإشراف على التعليم في الجمعية الخيرية، ويقضي في ذلك أكثر أوقاته، فيرقى التعليم ويشترك في وضع المناهج ويطبق العدل في شدة، حتى لقد حدث مرة أن تبرع أحد أعيان المحلة الكبرى بأرض لبناء مدرسة الجمعية ونفقات بنائها ووقف عليها من أملاكه، ثم أراد أن يدخل ابنه في المدرسة، وكانت سنه تزيد شهراً عن السن المقررة، فأبى عاصم باشا قبوله قائلاً:
لقد تبرع هذا الرجل للجمعية فوجب شكره، ولكنه أراد أن يخرق قوانينا فوجب صدّه؛
وأصر على إبائه على الرغم من إلحاح رجالات الجمعية مثل الشيخ محمد عبده و حسن باشا عبدالرازق في قبوله، فلما ألحوا عليه قدم إستقالته فاضطروا للنزول على رأيه.

وهكذا كان يسير على هذا النمط فيما يعهد إليه من أعمال، وهو نمط من الناس غريب في الشرق المملوء بالمجاملات وقبول الرجاء مهما خالف العدل وخالف القانون. وكان من حسن الحظ أن رأيته بعد ذلك عضواً في مجلس إدارة مدرسة القضاء، وعلمت أنه نشر العدل في المدرسة، وعلمه بقية الأعضاء.
وقفنا في قبة الغوري ننتظره فطلع علينا رجل مهيب يملأ القلب أكثر مما يملأ العين، له وجه أسمر وسحنة صعيدية أسيوطية وعينان نفاذتان، وجسم صغير .....
أحمد أمين
(حياتي)

0 تعليقات