TAFATEFO
لي صديق اصطلحت عليه الأضداد، وائتلفت فيه المتناقضات سواء في ذلك خلقه وعلمه.

حييٌّ خجول يغشى المجلس فيتعثر في مشيته، ويضطرب في حركته، ويصادف أول مقعد فيرمي بنفسه فيه، ويجلس وقد لف الحياء رأسه، وغض الخجل طرفه، وتقدم له القهوة فترتعش يده وترتجف أعصابه، وقد يداري ذلك فيتظاهر أن ليس له فيها رغبة ولا به إليها حاجة، وقد يشعل لفافته فيحمله خجله أن ينفضها كل حين، وهي لا تحترق بهذا القدر كل حين. وقد يهرب من هذا كله فيتحدث إلى جليسه لينسى نفسه وخجله، ولكن سرعان ما تعاوده الفكرة فيعاوده الهرب، حتى يحين موعد الانصراف فيخرج كما دخل، ويتنفس الصعداء بعد أن أدركه الإعياء.


من أجل هذا أكره شئ عنده أن يشترك في عزاء أو هناء أو يُدعَى إلى وليمة أو يدعو إليها إلا أن يكون مع الخاصة من أصدقائه .. يحب العزلة لا كرهاً للناس ولكن هروباً بنفسه.


ثم هو مع هذا جرئ إلى الوقاحة، يخطب فلا يهاب، ويتكلم في مسألة علمية فلا ينضب ماؤه ولا يندى جبينه، ويعرض عليه الأمر في جمع حافل فيدلي برأيه في غير هيبة ولا وجل، وقد تبلغ به الجرأة أن يجرح حسهم، وينال من شعورهم، ويرسل نفسه على سجيتها فلا يتحفظ ولا يتحرز.


يحكم من يراه في حالته الأولى أنه أشد حياء من مخدرة، ومن يراه في الثانية أنه أجرأ من أسد وأصلب من صخر، ومن يراه فيهما أنه شجاع القلب، جبان الوجه.

وهو طموح قنوع، نابه خامل، تنزع نفسه إلى أسنى المراتب فيوفر على ذلك همه، ويجمع له نفسه، ويتحمل فيه أشق العناء وأكبر البلاء، وبيناً هو في جده وكده وحزمه وعزمه إذ طاف به طائف من التصوف، فاحتقر الدنيا وشئونها، والنعيم والبؤس، والشقاء والهناء، فهزئ به وسخر منه واستوطأ مهاد الخمول، ورضي من زمانه بما قسم له؛ وبيناً يأمل أن يكون أشهر من قمر، ومن نار على علم، إذا به يخجل يوم ينشر اسمه في صحيفة، ويذوب حين يشار إليه في حفل، ويردد مع الصوفية قولهم (ادفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لا يتم انتاجه)؛ يعجب من يعرفه، إذ يراه معرفة نكرة، محباً للشهرة والخمول معاً.


وأغرب ما فيه أنه متكبر يجاوز قدره ويعدو طوره، ومتواضع يخفض جناحه وتتضاءل نفسه، يتكبر حيث يصغر الكبراء، ويتصاغر حيث يكبر الصغراء. يتيه على العظماء ويجلس إلى الفقراء يؤاكلهم ويستذل لهم، لا تلين قناته لكبير، ويخزم أنفه للصغير.

يحب الناس جملة ويكرههم جملة، يدعوه الحب أن يندمج فيهم ويدعوه الكره أن يفر منهم. حار في أمره، وامتزج حبه بكرهه، فاستهان بهم في غير احتقار.


صحيح الجسم مريضه، ليس فيه موضع ضعف، ولكن كذلك ليس فيه موضع قوة..


ورأسه كأنه مخزن مهوّش أو دكان مبعثر وضع فيه الثوب الخلَق بجانب الحجر الكريم. يتلاقى فيه مذهب أهل السنة بمذهب النشوء والارتقاء، ومذهب الجبر بمذهب الاختيار، وتجتمع في مكتبته كتب خطية قديمة في موضوعات قديمة، وقد أكلتها الأرضًة ونسج الزمان عليها خيوطاً، وأحدث الكتب الأوروبية فكراً وطبعاً وتجليداً. ولكن من هذين ظل في عقله وأثر في رأسه.


إن طاف طائف الإلحاد بفكره لم تطاوعه طبيعته، وإن شك حيناً عقله آمن دائماً قلبه، ومن أصدقائه السكير والزاهد، والفاجر والعابد، وكلهم عن اختلاف مذاهبهم؛ يصفه بأنه يجيد الإصغاء كما يجيد البليغ الكلام.

أحمد أمين
حياتي
5 تعليقات
  1. علي فكره
    انت ضليت الطريق بين الآدب والاسنان
    علي رأى بنتي ده كلام جامد قوى اخر حاجه
    مش عارفه يعني ايه بس اللى فهمته
    ان ده حاجه حلوي قوي مافيش زيها
    طبعا انا فهمت التفسير ده بعد مناقاشات جامده اخر حاجه


  2. TAFATEFO Says:

    لا ده أحمد أمين هو كاتب هذا الوصف لصديق له .. مش أنا

    وبرضه أنا مش دكتور أسنان .. شهادة بكالوريوس الأسنان هي مجرد شهاده زي شهادات تانيه في تخصصات تانيه أخدتها .. لكني لست أمارسها

    مشكوره جدا حضرتك يا فندم


  3. TAFATEFO Says:

    :D:D حلوه حكاية شهادات أخدتها بس مش بمارس دي .. خيبه .. صح؟!


  4. انا ماكنتش اقصد ان انت اللي كاتبه
    انا عارفه انه مش انت بس ماكنتش اعرف مين
    انا كان قصدي ان اللي ينتقي حاجه جميله كده وينشرها عشان الناس تقراها
    اكيد جواه اديب مش دكتور اسنان
    عندك خبره كبيره في لم الشهادات
    بقولك ايه تعرفش تحللي موضوع عرض الشرائح ده اللي عندانا بعت نداء من عند نواره مش عارفه ادلته
    اصلي اتعلمت الكمبيوتر ده علي كبر يخربيته جهاز غريب جدا
    انت صحيح بتشتغل ايه في كل ده


  5. TAFATEFO Says:

    أنا آسف .. أنا كنت أقصد بس أوضح لحضرتك حتى لا يختلط الأمر :D ....
    وشكرا لحضرتك .. مع ان كبيره علي موضوع أديب دي :D .. شاكر جداً

    أنا مش بشتغل حاجه .. عواطلي .. عمال آخد في دبلومات وهحضر ماجستير .. ادعيلي

    ومبروك على حل مشكلة الشرائح .. قدها وقدود حضرتك يا فندم