TAFATEFO


... فالمسرح ليس هو المكان أو الاجتماع الذي (تتفرج) فيه على شئ، إن هذا ابتكر له شعبنا كلمة ((فرجة)) أو رؤية ومشاهدة، أما المسرح فهو اجتماع لابد أن يشترك فيه كل فرد من أفراد الحاضرين، مثله مثل الرقص من بدايته إلى احتفالات قصر الملكة فكتوريا، لا يسمى رقصا إلا إذا اشترك في الرقص كل الحاضرين، أو الأغنية الجماعية لا تعد جماعية إلا إذا غناها كل الناس معا لأنه في كل تلك الأشكال المسرحية لابد من توفر عنصرين معا. أولا الجماعة والحضور الجماعي وثانيا قيام الجماعة كلها بعمل ما، وقد نسأل : وماذا إذن عن الأشكال التي نذهب لنتفرج فيها على راقص أو نسمع مغنية تغني أو نشهد فيها فيلما؟ أليست أشكالا مسرحية. والجواب لا، ليست أشكالا مسرحية وليست إلا إشباعا فرديا لا يمكن أن يغني أو يحل محل الإشباع الجماعي.

..

..

..

وليس معنى مشاركة كل إنسان أن يحدث هذا بالتساوي؛ فهي مشاركة ذات درجات ولكن لابد من حد أدنى لها، ولهذا كان دائما يحدث أن ينبغ بعض الأفراد في ناحية بحيث يبدأ الرقص جماعيا مثلا ثم لا يلبث الحضور أن يكتفوا بالتفرج على فرد أو أفراد منهم وهم يرقصون وذلك حين تصل متعة التفرج حدا أكبر من متعة المشاركة، ولكنه اختلاف في الكم فقط وليس في النوع، إننا إذا بدأنا الغناء جميعا وأوجدنا حالة المتعة الجماعية المشتركة نكون قد دخلنا في حالة من (( التجلي )) تجعل إحساس الفرد بصوته وبغنائه يتلاشى إلى درجة أنه إذا توقف لا يحس لأن أي مغن آخر يكون وكأنما يغني بحنجرته هو. ولعل هذا هو فكرة الكورس الأولى في الغناء الشرقي حين يبدأ احتفال الغناء بغناء الجميع إلى لحظة فقدان الإحساس بالذات حيث يكتفى بغناء فرد واحد إذا كان أجمل الأصوات أي أكثرها غنائية أو موسيقية.

يوسف إدريس من موضوع "نحو مسرح مصري"

0 تعليقات