TAFATEFO

شتـــــــــا

بعد ما إدى وبعد ما خد

بعد ماهد وبنى واحتد

شد لحاف الشتا من البرد

...

بعد ما لف وبعد ما دار

بعد ما هدى وبعد ما ثار

بعد ما داب واشتاق واحتار

...

حط الدبله وحط الساعه

حط سجايره والولاعه

علق حلمه على الشماعه

...

شد لحاف الشتا على جسمه

دحرج حلمه و همه واسمه

دارى عيون عايزين يبتسمو

...

اللي قضى العمر هزار

واللي قضى العمر بجد

شد لحاف الشتا من البرد

محمد منير .. ألبوم "حواديت"

TAFATEFO


..وجعل رئيسنا (ج) يقول لنا كلما اجتمعنا :

- حقا إنكم لرجال !

أو يقول :

- سيرحل الشر عما قليل فقد يأس من الأرض.

وكان ذا حلم يشجع على المناقشة فقلت له ذات مرة :

- أما آن لي أن ألقى الرئيس؟

فقطب في غير غضب وسألني في عتاب :

- أيداخلك شك في عدالة تقديري؟

فقلت بسرعة وصدق :

- معاذ الله يا سيدي.

- ألا يكفيك ما أنت في شغل به؟

فقلت بتوسل :

- أصبحت يا سيدي وكأنني من مجانين العشق.

فضحك ضحكة خفيفة وقال :

- من يدري؟ لعلك رأيته وأنت لا تدري.

فرمقته بذهول غير مصدق .. فقال :

- إنه - على مدى علمي - لا يعيش في برج عاجي، ولكنه يمارس حياته بين الناس، وربما غشى الأماكن التي تجوبها للعمل أو الراحة ..

فقلت منكرا :

- لو لمحته للفت نظري بقوة شخصيته.

فقال باسما :

- ما أكثر الأشياء الجديرة بجذب الأنظار لولا انغماسنا في الأمور العابرة ..

رددت قوله على مسمع قلبي طويلا، وكدت أشغل به عن كل شئ .......

نجيب محفوظ

قصة "التنظيم السري " من مجموعة " التنظيم السري "


TAFATEFO


... فالمسرح ليس هو المكان أو الاجتماع الذي (تتفرج) فيه على شئ، إن هذا ابتكر له شعبنا كلمة ((فرجة)) أو رؤية ومشاهدة، أما المسرح فهو اجتماع لابد أن يشترك فيه كل فرد من أفراد الحاضرين، مثله مثل الرقص من بدايته إلى احتفالات قصر الملكة فكتوريا، لا يسمى رقصا إلا إذا اشترك في الرقص كل الحاضرين، أو الأغنية الجماعية لا تعد جماعية إلا إذا غناها كل الناس معا لأنه في كل تلك الأشكال المسرحية لابد من توفر عنصرين معا. أولا الجماعة والحضور الجماعي وثانيا قيام الجماعة كلها بعمل ما، وقد نسأل : وماذا إذن عن الأشكال التي نذهب لنتفرج فيها على راقص أو نسمع مغنية تغني أو نشهد فيها فيلما؟ أليست أشكالا مسرحية. والجواب لا، ليست أشكالا مسرحية وليست إلا إشباعا فرديا لا يمكن أن يغني أو يحل محل الإشباع الجماعي.

..

..

..

وليس معنى مشاركة كل إنسان أن يحدث هذا بالتساوي؛ فهي مشاركة ذات درجات ولكن لابد من حد أدنى لها، ولهذا كان دائما يحدث أن ينبغ بعض الأفراد في ناحية بحيث يبدأ الرقص جماعيا مثلا ثم لا يلبث الحضور أن يكتفوا بالتفرج على فرد أو أفراد منهم وهم يرقصون وذلك حين تصل متعة التفرج حدا أكبر من متعة المشاركة، ولكنه اختلاف في الكم فقط وليس في النوع، إننا إذا بدأنا الغناء جميعا وأوجدنا حالة المتعة الجماعية المشتركة نكون قد دخلنا في حالة من (( التجلي )) تجعل إحساس الفرد بصوته وبغنائه يتلاشى إلى درجة أنه إذا توقف لا يحس لأن أي مغن آخر يكون وكأنما يغني بحنجرته هو. ولعل هذا هو فكرة الكورس الأولى في الغناء الشرقي حين يبدأ احتفال الغناء بغناء الجميع إلى لحظة فقدان الإحساس بالذات حيث يكتفى بغناء فرد واحد إذا كان أجمل الأصوات أي أكثرها غنائية أو موسيقية.

يوسف إدريس من موضوع "نحو مسرح مصري"

TAFATEFO

كان واضحا أن الصبي لا يمت إلى جاردن سيتي أبدا ...

فصبي حاف مثله، جلبابه قديم متآكل، ورأسه محلوق بالماكينة ومضلع وفيه تنوءات كحبة البطاطس، ووجهه رمادي أصفر، وفيه ((قوب)) ... صبي مثل هذا لا يمكن أن يمت أبدا إلى جاردن سيتي حي القصور والفيلات والسفارات.

أما كيف وصل إلى شوارع جاردن سيتي فيبدو أنه أفاق فوجد نفسه هناك، أو أنه ضل الطريق، والغريب أنه لم يكن حزينا ولا مبتئسا ولا خائفا ... كان في الحقيقة يبدو منتعشا طروبا.

كانت الدنيا في ساعاتها الأولى والشمس تلون الأرض وحسب ولا تلهبها، والبنايات غارقة في صمت أرستقراطي مهيب، وكل ما يسمع من أصوات إنما كان يأتي من العصافير والبوابين الضخام السود الطيبين الجالسين على الأرائك يحرسون القصور، ويرتدون الجلاليب البيضاء الواسعة والعمامات المضحكة الكبيرة.

كل ما في الجو كان يوحي بالبشر ويبعث على النشاط والولد يمضي على غير هدى في الشوارع المشمسة الواسعة، وينظر في شغف إلى البنايات والأشجار والنحاس الكثير اللامع، ويضفر، ويدندن أحيانا ويتوق، ثم يستأنف المشي بطريقة المقص فيمد كل من قدميه مكان الأخرى، ويسير أحيانا بعرض الشارع، وأحيانا يرفع قدمه ويمسكها بيده من الخلف ويحجل على قدم واحدة، ولسانه يلوك فمه من الداخل فيصنع ضوضاء مكتومة كنقيق الضفادع، ويجري إلى الأمام وإلى الخلف، ويحتل وجهه كله تعبير خالي البال المستمتع بكل ما يراه ويفعله، بلا شئ وراءه يفسد المتعة ... لا عمل ولا أب ولا أسطى ...

وتعثر فجأة في شئ ووجعته قدمه، وانحنى فوجد أن ما تعثر فيه كان قطعة حجر بيضاء فرماها بغيظ على الأرض، ولم يكتف بهذا بل دفعها بقدمه، وطار الحجر إلى الأمام مسافة ثم توقف ... وحين وصل إليه ضربه بقدمه ضربة قوية أخرى فطار الحجر واعتلى الرصيف. وحين وصل إلى مكان الحجر انحنى والتقطه وحدق فيه مليا ليتأكد أنه ليس شيئا ذا قيمة، واستأنف المشي وهو يقذفه إلى أعلى ويلتقطه. وبعد قليل غير الحركة فأمسك الحجر في قبضته ومد سبابته لتلامس الحائط الذي كان يمشي بجواره، وظل هكذا فترة. ويبدو أن أصبعه آلمته فقد استبدلها بالحجر. وتلفت مرة فوجد أن الحجر يصنع باحتكاكه مع الحائط خطا أبيض ... وأعجبته اللعبة فاستأنف المشي وهو يمر بالحجر على الحائط فيرسم خطا أبيض يبدو واضحا فوق الجدران الأنيقة الملونة. ورسم خطا على طول سراية آل سليمان، ثم مده إلى أن وصل إلى عمارة الفكهاني ثم فيلا سمعان، وعبر الشارع واستأنف حك الحجر بسور حديقة السفارة الأمريكية.

وكأنما أعجبه سور السفارة حين وجده طويلا لا ينتمي، فمضى يجري فيجري الخط بجواره، ويتوقف فيتوقف، ويحرك يده إلى أعلى وأسفل فيتموج الخط ويتعرج، ويسرع ويبطئ، فتتسع التعرجات وتضيق.

وقبل أن ينتهي السور كان قد انتهى شغفه بالخط فتوقف، وحرك يده وحرك يده بسرعة وعصبية فوق الحائط فرسم الحجر خطا عصبيا متداخلا فيه نزق وغضب، ورفع يده عن السور ولعق فمه من الداخل فصدر عنه نقيق الضفادع، وهز رأسه هزات كمن يراود نفسه، وهز جسده أيضا، ثم التصق بالحائط واختار بقعة ليس فيها خدوش، وتخير حافة بعينها من الحجر وأمسكه بحرض في يده، ثم انكب على الحائط وراح يعمل.

وحين انتهى كان قد كتب كلمة: ((محمد)). وحدق فيها، وتراجع إلى الوراء ولعق فمه وتأملها. كانت حروفها عجفاء ركيكة. وعقد يديه خلف رقبته وثنى جسده وركز انتباهه على ((ميم)) محمد. وكأنما أعجبته رأسها المستلقية إلى الوراء في عظمة، فقد عاد إلى الحائط بسرعة واندفاع وكتب ((ميما)) أخرى، وضم شفتيه ونفخ أشداقه ونظر إليها، ويبدو أنها لم تعجبه فانكب على الحائط من جديد وكتب ((ميما)) ثانية جاءت أسفل الأولى بقليل وقريبة منها حتى أنها اشتبكت مع ذيلها. وتراجع إلى الوراء ونظر إليها. وكأنما هي أيضا لم تعجبه فقد رمى الحجر من يده واستأنف المشي وهو يمط شفتيه ويلوي بوزه.

وفجأة استدار إلى الخلف بسرعة ونظر إلى الميمين من بعيد، ثم أقبل عليهما بلهفة وبحث عن الحجر بعينه حتى وجده، ومن جديد انكب على السور ورسم خطا رأسيا بجوار الميمين، والتصق بالسور أكثر، وظل مدة طويلة يعمل وعرقه يسيل ويده الصغيرة العصبية قد تشنجت أصابعه كالكماشة على الحجر، ولما انتهى كان قد كتب: ((أممنا الشعب القنال)).

وتراجع إلى الوراء وراح ينظر إلى ما صنعه وهو يلهث منفعلا. وكأنما لم تعجبه الجملة فقد هز رأسه بشدة والتصق بالحائط من جديد وراح يعمل وهو يغمض عينا ويفتح الأخرى. ولما انتهى كان قد كتب نفس الجملة مرة أخرى. ودون أن يتراجع على الوراء كثيرا حدق في الخط برهة قصيرة، ويبدو أنه لم يعجبه أيضا، ووجد اللام طويلة، وشرطة النون غير واضحة والقاف مغلقة والحروف كلها مائلة كالنخل حين تعبث به الرياح، يبدو هذا لأنه راح ينفخ في يده الممسكة بالحجر لينفض عنها ذرات الغبار، ثم تخير حافة من حواف الحجر لم يستعملها، والتصق بالحائط من جديد وراح يعمل ويعرق ويغمض عينا ويفتح الأخرى.

وحين انتهى فرك يده بشدة كمن أتعبته الكتابة، وتراجع إلى الوراء ونظر إلى الجملة الأخيرة مليا، ثم علت وجهه ابتسامة رضا فعض على شفته السفلى وأخرج من فمه نقيقا ثم عاد إلى الحائط ورسم علامة ((صح)) أسفل الجملة الثالثة، وجعل للعلامة ذيلا مرحا طويلا علامة الرضاء الكامل.

وظل برهة يحدق في الجملة كأنما ليتأكد أنها محفورة على حائط السور بطريقة ليس من السهل محوها، وأنها ستظل هكذا فترة طويلة، وسيعرف كل من يقرؤها - بطريقة ما - أنه كاتبها. ظل برهة يحدق في الجملة ثم ارتعش نصفه الأعلى كله، وأخرج من حلقه صوتا كصوت ((العرسة)) ورفع قدمه اليسرى وأمسكها بيده من الخلف وانطلق يحجل بقدم واحدة ويمضي في الشارع المشمس الواسع.

قصة "صح" يوسف إدريس من مجموعة "اقتلها"

TAFATEFO



...... دعيني أشرح لك الحب كما أحس به .. لا كما قرأته أو سمعت عنه ..وسأشرحه لك في أبسط الألفاظ وبأقصر الطرق.

معنى أني أحبك .. هو أن رأسي ملئ بك .. حتى لكأن ذلك الشئ الكامن فيه ليس عقلا كبقية العقول .. بل هو عقل ممزوج بك .. لا يستطيع أن يفكر في غيرك .. أما عيناي فكأني بصورتك قد التصقت بهما .. حتى بت لا أبصر الحياة إلا من خلالك .. أما القلب .. فأغلب الظن أنك قد امتزجت بالدماء التي تجري في أوردته وشرايينه .. فلو توقفت عن السريان فيه لكف عن نبضه وتعطل عن حركته.

لا تقولي أن قولي مبالغة عشاق .. أو مجرد إنشاء .. أو محاولة في الكتابة والأدب .. لأن ذلك القول هو حديثي إلى نفسي، وليس أصدق من حديث النفس إلى النفس.

إني لأبصرك فأتمنى ألا يتحرك الوقت، وأتمنى لو أصاب الحياة جمود وركود، حتى تظلي أمام عيني إلى ما لا نهاية، وقد يزداد بي الطمع في بعض الأحيان فأتمنى لو استطعت أن أحتوي يدك بين يدي، وأن أحس برأسك يستند إلى صدري، ثم نغمض أعيننا عن كل ما في الحياة، ونظل كذلك حتى ينتهي العمر، أو حتى تحين الساعة.

يوسف السباعي

"رجل مخدوع" من مجموعة "ست رجال وستة نساء"

TAFATEFO
كانت واحة العمر ألجأ إليها كلما نضب معين الخيال، وأتزود منها وبها بالقدرة على مواصلة اللهاث. وكان الوصول على مرمى حجر، وكأنني سأصحو في الغد لأجد الصباح فجرا ليس فجر يوم ولكن فجر عصر. عصر كامل تام يعود فيه الإنسان يحب بكل نهم وعمق وظمأ الحب، ويعيش وروعة الحياة يشربها مترعة قطرة وراءها قطرة، ولكل قطرة طعم، ولكل لحظة زمن تمر أشواق وصهللة ومعان ..

حياة أستمتع فيها إلى التعالي أني ابن .. مثلما أستمتع به إلى مهجة كبدي أني أب، تأخذني الأم إلى أعمق أحضانها ترضعني خلاصة الأنوثة وأرتشف وأنا أضمها نعناع أني ولد وخمرة أني رجل.حياة أنا فيها محب محبوب، عاشق معشوق، مؤثر ومغير، ومتأثر ومتغير، ودائما إلى الأعلى والأروع. حياة . حياة . أتعرفون ما هي الحياة؟

..

..

..

إن الحياة - هكذا أراها - ليست لعبة أضيعها مصغيا لهذا أو موليا أذني لذاك .. الحياة حياتي والقرار قراري، وكم من أمور تكاد تكون قتالة فعلتها دون ذرة تردد وحتى لو كادت - أو بعضها فعلا - ضيعني ، دون ذرة ندم.

يوسف إدريس : "يموت الزمار" من مجموعة "اقتلها"

TAFATEFO

هل جربت الحب؟ .. هل ذقت انتصار الحب؟. هل تعرف ما معنى أن يبتسم لك الحبيب ويشعرك أنه ميزك من دون خلق الله أجمعين ..؟ هل تعرف كم تساوي تلك الابتسامة بالذات؟

ابتسامة .. أي انفراج شفتين، قد يمنحها صاحبها طول اليوم لمئات الناس فلا تعني شيئا بالنسبة لهم .. ثم يمنحك إياها .. فتكون لك كل شئ : تكون النعيم .. وتكون الحياة .. ويكون انفراج الشفتين بالنسبة لك كأنه انفراج أبواب الجنة.

يوسف السباعي

قصة "رجل وظلال" من مجموعة "اثنا عشر رجلا"

TAFATEFO


........ ولن أنسى ما حييت قول ملك في ساعة تجل:

- لو تقدم لي أمير لرفضته، ليس لي سواك ..

تبدت لي صادقة راسخة أقوى من أي حقيقة في الوجود. كان حبا صادقا عظيما ويا للخسارة. وقد أحرز انتصاره في يوم بهيج لا ينسى. فمن نافذة سكنها رأتني وأنا أتبادل الإشارات مع بثينة.

وعند أول زيارة لنا مع أمها اقتحمت حجرتي ثم سألتني في حياء:

- هل أهنئ؟

فسألت بدوري في دهشة:

- على ماذا؟

- بثينة ؟!

خجلت. نظرت إليها طويلا وهي تحدق في بشجاعة وإصرار. ما أجملها وهي تطوي غيرتها في قبضة كبريائها.

وتمتمت في صدق وسعادة:

- لا أحد سواك يا ملك.

فرفعت صوتها لتسمع من في الخارج:

- أعرني كتابا من كتبك.

- قرأت مجدولين؟

- نعم.

- إليك آلام فرتر.

فقالت باسمة :

- هاتها.

منذ تلك اللحظة بدأت أنفض عن وجداني فتنة الأخريات.

نجيب محفوظ

قصة " أسعد الله مساءك" من مجموعة " صباح الورد"


TAFATEFO


من نافذة صغيرة عالية قبيل القبو يلوح أحيانا وجه أبيض كالقمر، أراه من موقعي في نافذة بيتنا الصغير المطلة على الحارة فأهيم رغم طفولتي في سحر جماله، وقد أسمع صوته الرخيم وهو يبادل أمي التحية إذا خلت الحارة من المارة فلعله بث في روحي حب الغناء، فاطمة العمري، حلم الطفولة المجهول، وموعد اللقاء النافذة، وإذا توارت يوما فإنما لتلقنني الألم قبل أوانه. وكلما غابت حدجت أمي بنظرة عتاب كأنما هي المسئولة عن غيابها فتضحك طويلا وتحكي لأم أحمد عن العاشق الصغير فتتلقف الخبر لتزفه إلى فاطمة ثم ترجع إلينا برسالة سعيدة أن أشد حيلي وأنها ستنتظر عريس الهنا مهما يطل الانتظار. ثم تقول:

  • ولكنك تحب أمها أيضا فما حكايتك؟

نجيب محفوظ

قصة "أم أحمد" من مجموعة "صباح الورد"